الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال المفسرون: المراد به: صلاة الفجر.قال الزجاج: وفي هذا فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إِلا بقراءة، حين سمِّيت الصلاة قرآنًا.قوله تعالى: {إِن قرآن الفجر كان مشهودًا} روى أَبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار».قوله تعالى: {ومن الليل فتهجَّد به} قال ابن عباس: فَصَلَِّ بالقرآن.قال مجاهد، وعلقمة، والأسود: التهجُّد بعد النوم.قال ابن قتيبة: تهجَّدت: سَهِرت، وهَجَدت: نِمْت.وقال ابن الأنباري: التهجُّد هاهنا بمعنى: التيقُّظ والسَّهَر، واللغويون يقولون: هو من حروف الأضداد؛ يقال للنائم: هاجِد ومتهجِّد، وكذلك للساهر، قال النابغة:
يعني بالمتهجد: الساهر، وقال لبيد: أي: نَوِّمْنا.وقال الأزهري: المتهجِّد: القائم إِلى الصلاة من النَّوم.وقيل له: متهجد، لإِلقائه الهُجُود عن نفسه، كما يقال: تَحَرَّج وتأثَّم.قوله تعالى: {نافلةً لك} النافلة في اللغة: ما كان زائدًا على الأصل.وفي معنى هذه الزيادة في حقه قولان.أحدهما: أنها زائدة فيما فُرِض عليه، فيكون المعنى: فريضة عليك، وكان قد فرض عليه قيام الليل، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير.والثاني: أنها زائدة على الفرض، وليست فرضًا؛ فالمعنى: تطوعًا وفضيلة.قال أبو أُمامة، والحسن، ومجاهد: إِنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.قال مجاهد: وذلك أنه قد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبه وما تأخَّر، فما زاد على فرضه فهو نافلة له وفضيلة، وهو لغيره كفارة.وذكر بعض أهل العلم: أن صلاة الليل كانت فرضًا عليه في الابتداء، ثم رخِّص له في تركها، فصارت نافلة.وذكر ابن الأنباري في هذا قولين.أحدهما: يقارب ما قاله مجاهد، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا تنفَّل لا يقدر له أن يكون بذلك ماحيًا للذنوب، لأنه قد غُفر له ما تقدم من ذَنْبه وما تأخَّر، وغيره إِذا تنفَّل كان راجيًا، ومقدّرًا محو السيئات عنه بالتنفل، فالنافلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة على الحاجة، وهي لغيره مفتقَر إِليها، ومأمول بها دفع المكروه.والثاني: أن النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته، والمعنى: ومن الليل فتهجدوا به نافله لكم، فخوطب النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب أمته.قوله تعالى: {عسى أن يبعثكَ ربُّك} {عسى} من الله واجبه، ومعنى {يبعثك} يقيمك {مقامًا محمودًا} وهو الذي يحمَده لأجله جميع أهل الموقف.وفيه قولان.أحدهما: أنه الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله ابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد الله، والحسن، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد.والثاني: يجلسه على العرش يوم القيامة.روى أبو وائل عن عبد الله أنه قرأ هذه الآية، وقال: يُقعده على العرش، وكذلك روى الضحاك عن ابن عباس، وليث عن مجاهد.قوله تعالى: {وقل رب أدخلني مدخل صدق} وقرأ الحسن، وعكرمة، والضحاك، وحميد بن قيس، وقتادة، وابن أبي عبلة بفتح الميم في {مَدخل} و{مَخرج}.قال الزجاج: المدخل، بضم الميم: مصدر أدخلته مُدخلًا، ومن قال: مَدخل صدق، فهو على أدخلته، فدخل مَدخل صدق، وكذلك شرح {مَخرج} مثله.وللمفسرين في المراد بهذا المدخل والمخرج أحد عشر قولًا.أحدها: أدخلني المدينة مدخل صدق، وأخرجني من مكة مخرج صدق.روى أبو ظبيان عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة، فنزلت عليه هذه الآية.وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن في رواية سعيد بن جبير، وقتادة، وابن زيد.والثاني: أدخلني القبر مُدخل صدق، وأخرجني منه مُخرج صدق، رواه العوفي عن ابن عباس.والثالث: أدخلني المدينة، وأخرجني إِلى مكة، يعني: لفتحها، رواه أبو صالح عن ابن عباس.والرابع: أدخلني مكة مدخل صدق، وأخرجني منها مخرج صدق، فخرج منها آمنًا من المشركين، ودخلها ظاهرًا عليها يوم الفتح، قاله الضحاك.والخامس: أدخلني مُدخل صدقٍ الجنةَ، وأخرجني مخرج صدق من مكة إِلى المدينة، رواه قتادة عن الحسن.والسادس: أدخِلني في النبوَّة والرسالة، وأخرجني منها مخرج صدق، قاله مجاهد، يعني: أخرجني مما يجب عليَّ فيها.والسابع: أدخِلني في الإِسلام، وأخرجني منه، قاله أبو صالح؛ يعني: من أداء ما وجب عليَّ فيه إِذا جاء الموت.والثامن: أدخِلني في طاعتك، وأخرجني منها، أي: سالمًا غير مقصِّر في أدائها، قاله عطاء.والتاسع: أدخِلني الغار، وأخرجني منه، قاله محمد بن المنكدر.والعاشر: أدخلني في الدِّين، وأخرجني من الدنيا وأنا على الحق، ذكره الزجاج.والحادي عشر: أدخلني مكة، وأخرجني إِلى حُنَين، ذكره أبو سليمان الدمشقي.وأما إِضافة الصدق إِلى المُدخل والمُخرج، فهو مدح لهما.وقد شرحنا هذا المعنى في سورة [يونس: 2].قوله تعالى: {واجعل لي من لدنك} أي: من عندك {سلطانًا} وفيه ثلاثة أقوال.أحدها: أنه التسلُّط على الكافرين بالسيف، وعلى المنافقين باقامة الحدود، قاله الحسن.والثاني: أنه الحُجة البيِّنة، قاله مجاهد.والثالث: المُلك العزيز الذي يُقهَر به العصاة، قاله قتادة.وقال ابن الأنباري: وقوله: {نصيرًا} يجوز أن يكون بمعنى مُنْصَرًا، ويصلح أن يكون تأويله ناصرًا.قوله تعالى: {وقل جاء الحق وزَهَق الباطل} فيه أربعة أقوال.أحدها: أن الحق: الإِسلام، والباطل: الشرك، قاله أبو صالح عن ابن عباس.والثاني: أن الحق: القرآن، والباطل: الشيطان، قاله قتادة.والثالث: أن الحق: الجهاد، والباطل: الشرك، قاله ابن جريج.والرابع: الحق: عبادة الله، والباطل: عبادة الأصنام، قاله مقاتل.ومعنى {زهق}: بَطَل واضمحلَّ.وكلُّ شيء هلك وبَطَل فقد زَهَق.وزَهَقت نفسُه: تلفت.وروى ابن مسعود أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا، فجعل يطعنها ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إِن الباطل كان زهوقًا.فإن قيل: كيف قلتم: إِنّ {زهق} بمعنى بَطَل، والباطل موجود معمول عليه عند أهله؟فالجواب: أن المراد من بطلانه وهلكته: وضوح عيبه، فيكون هالكًا عند المتدبِّر الناظر. اهـ. .قال القرطبي: قوله تعالى: {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} أي يعذَّبون كسنة من قد أرسلنا؛ فهو نصب بإضمار يعذبون؛ فلما سقط الخافض عمل الفعل؛ قاله الفرّاء.وقيل: انتصب على معنى سننّا سنة من قد أرسلنا.وقيل: هو منصوب على تقدير حذف الكاف؛ التقدير لا يلبثون خلفك إلا قليلًا كسنة من قد أرسلنا؛ فلا يوقف على هذا التقدير على قوله: {إلا قليلا} ويوقف على الأول والثاني.{قبلك من رسلنا} وقف حسن.{وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} أي لا خُلف في وعدها.{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} فيه سبع مسائل:الأولى: قوله تعالى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} لما ذكر مكايد المشركين أمر نبيّه عليه السلام بالصبر والمحافظة على الصلاة، وفيها طلب النصر على الأعداء.ومثله {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين} [الحجر: 97].وتقدم القول في معنى إقامة الصلاة في أول سورة البقرة.وهذه الآية بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة.واختلف العلماء في الدُّلوك على قولين:أحدهما: أنه زوال الشمس عن كبد السماء؛ قاله عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس وطائفة سواهم من علماء التابعين وغيرهم.الثاني أن الدلوك هو الغروب؛ قاله عليّ وابن مسعود وأبيّ بن كعب، وروي عن ابن عباس.قال الماورديّ: من جعل الدُّلوك اسما لغروبها فلأن الإنسان يدلُك عينيه براحته لتبيّنها حالة المغيب، ومن جعله اسما لزوالها فلأنه يدلك عينيه لشدة شعاعها.وقال أبو عبيد: دلوكها غروبها.ودلكَتْ براح يعني الشمس؛ أي غابت.وأنشد قُطْرب:براح بفتح الباء على وزن حَزام وقطام ورقاس اسم من أسماء الشمس.ورواه الفرّاء بكسر الباء وهو جمع راحة وهي الكف؛ أي غابت وهو ينظر إليها وقد جعل كفّه على حاجبه.ومنه قول العَجّاج: قال ابن الأعرابيّ: الزُّحلوفة مكان منحدر أملس، لأنهم يتزحلفون فيه.قال: والزَّحْلفة كالدّحرجة والدفع؛ يقال: زحلفته فتَزَحْلَف.ويقال: دلكت الشمس إذا غابت.قال ذو الرُّمَّة: قال ابن عطية: الدلوك هو الميل في اللغة فأوّل الدلوك هو الزوال وآخره هو الغروب.ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكا، لأنها في حالة ميل.فذكر الله تعالى الصلوات التي تكون في حالة الدلوك وعنده، فيدخل في ذلك الظهر والعصر والمغرب، ويصح أن تكون المغرب داخلة في غَسَق الليل.وقد ذهب قوم إلى أن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب؛ لأن الله سبحانه علق وجوبها على الدلوك، وهذا دلوك كله؛ قاله الأوزاعيّ وأبو حنيفة في تفصيل.وأشار إليه مالك والشافعيّ في حالة الضرورة.الثانية: قوله تعالى: {إلى غَسَقِ الليل} روى مالك عن ابن عباس قال: دلوك الشمس ميلها، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته.وقال أبو عبيدة: الغسق سواد الليل.قال ابن قَيْس الرُّقَيّات: وقد قيل: غسق الليل مغيب الشفق.وقيل: إقبال ظلمته.قال زهير: يقال: غسق الليل غسوقا.والغَسَق اسم بفتح السين.وأصل الكلمة من السيلان؛ يقال: غَسَقت العين إذا سالت، تَغْسِق.وغَسَق الجرح غَسَقانا، أي سال منه ماء أصفر.وأغسق المؤذّن، أي أخر المغرب إلى غِسَق الليل.وحكى الفراء: غَسَق الليل وأغسق، وظَلِم وأظلم، ودجا وأدجى، وغَبَس وأغبس، وغَبِش وأغبش. وكان الربيع بن خُثيم يقول لمؤذنه في يوم غَيْم: أغسق أغسق. يقول: أخر المغرب حتى يَغسِق الليل، وهو إظلامه.
|